
My rating: 4 of 5 stars
#مراجعة_رواية (أولاد حارتنا) :
عن الرواية التي أثَارت جَدلاً في حَفِيظَة الأوْسَاط المُتَديْنَةُ والمُحَافِظَةُ ,والتِي أكْثَرُهَا جُرأْةً فِي تنَاولِهَا للذَات الإلهِيْة وسَرْد لِحيَاة الأنْبياء ..،الرواية التي إنْتَهَج الكَاتِب فِيهَا إسْلُوبَاً رَمْزياَ يَخْتلِف عن الإسْلُوب الوَاقِعي .. ؛
نتحدثُ اليوم عن إحدى روايات الكَاتِب الكَبِير نجيب محفوظ .. عَلّنا نُطلقُ رمُوزِها مُجدْداً نَحْو العقُول الحُرْةُ .
ستُعايشُ ٲجْيالاً مْختَلِفة في الظّاهر و مُكرَّرةً في باطِنهَا ,كلها رمُوز حقِيقية أعَادَ سرْدها الكاتب بنَظْرَتِهِ وخَيَالِهِ فرَسمَهَا لنا بإبْدَاعة شَارِدة وبطَرِيقتُهُ الخَاصة ..
---------------
تدور قِصة حارتنا في نِزَاعَاتٍ لا تَنتَهي في حَارة الجبلاوي - صَاحِبُ الوَقْف الٲكْبر ومَالِكْ البَيْتُ الكَبِيرُ - ؛فتَبدأ بتمردِ ٳدريس الذي ٲبَى الرضوخَ للجبلاوي ،وكَانَ الوِسْوَاسَ المُحَرِّضُ لٲدهم ،ومُخرِجهُ من النَعِيم ،ومع الوَقْتِ تُتَابِعُ الحَارَةُ سَيْرُهَا في الظُلْمِ والفسَادِ المُتَمَثِّل في الفتوات الذين يَنْهَبُون الحارة ،ويَسْلِبون من النَاسِ حُرّيَاتهم بَل ويُكَمِمُون أفْوَاهْ النَاسِ التي تتحَدْث عن هذه المَظَالِمُ ؛بالقَتْلِ بِلا رَحْمة ،فتعِيشُ الحَارةُ في هذه المأسَاةُ مُنْتَظِرِين أمل جَدهُم الجبلاوي الذي لم يَظْهرْ ولم يَرَاهُ أحد بعد أدهم وإدريس ،وكأنه نَسى أحفَاده المَظْلُومِين .. ؛إلى حين يَأتِي بَطلُ الحَارة ،ومُنْقِذُهُمْ مِن العِدوَان "جبل" فَيُخَلص الحَارة كلها من الظُلم والقَحْط ،ويَنشُر العَدل ،وتَحِين السعَادةُ في وجهِ كل إمْرِؤ ،وقد أكْمَل على هذا النحو "رفاعة" و"قاسم" رفاعة ؛الذي إهْتمَ بإخْرَاج النَاس من عفَاريتهم ليَسعَدُوا بالحَيَاةِ ،وقاسم رَاعِي الغنم ؛الذي صَار فِتوة الحَارة بالقُوَةِ قبلَ اللين ،ثم يَنتهى جِيلُ المُصلِحِين والمُجَدِدِين ،ويَعِيشُ النَاسُ على ذِكْرَى هؤلاء النَاسُ ،ولا يَتذكرُون مِنْهُم إلا أسْمَاءهم فقد كانت - "آفة حارتنا النسيان " .
إنما كان هُنَاك أملاً وخِتماً أخِير ،لا يُعِيرُ بَالاً للجبلاوي ،ولا أدنى إهتِمَام - رُبمَا الغُرُور ..!؟ - ؛ٳنما السِحرُ ,عرفة الذي إعتَقَدَ أن سِحرهُ وحدهُ كَافٍ لِيَقْضِي على الظُلْمِ في الحَارَةِ وأنه لا يَحتَاج إلى الجبلاوي ،ولكن بفعلتِهِ هذه التي بها قَتلَ الجبلاوي بالخَطأ وبدُونِ عَمْد ؛جَعَلَ الحَارَةُ تَغْرَقُ في فَتْرةٍ من الظُلْمِ و القَهْرِ لم تَشْهَد لهُمَا مَثِيلاً .
وفي النِهَايةِ لم تَعُد الآذَانُ تَصغِي لِحِكَايَاتِ الربَابةُ وأمْجَادُ المَاضِي.. ،وبَدأت بِٲخْذِ رِسَالةِ العِلْم ؛التي إرتَبَطت بدينٍ لِيَقِفَا معاً في وَجْهِ الفسَادِ و الظُلْم اللذانِ نشبَا فِي القُلُوبِ .
- فهل حَقْاً يُمْكِنْ أنْ يَنْهَضَ المُجْتَمَعُ بالعِلْمِ والدِينِ ؟
- وهل تُسْتَحِقُّ حياةٌ تُعَاشُ فِي الخَوْفِ والمَهَانَةِ ؟
"الموت الذي يقتل الحياة بالخوف حتى قبل أن يجئ . الخوف لا يمنع من الموت ولكنه ينمع من الحياة . ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكم الحياة ما دمتم تخافون الموت "
"وقال كثيرون: ٳنه إذا كانت آفة حارتنا النسيان، فقد آن لها ٲن تَبرٲ من هذه الآفة، وٳنها ستبرٲُ منها إلى الأبد.
هكذا قالوا..
هكذا قالوا يا حارتنا! " .
---------------
وجهة النظر :
١_ قد إسْتَنْتَجْتُ مِن الرِوَايةِ وبِشَكل آخر ؛أنْهَا طَرْح لعَدِيد مِن التسَاؤلاتِ الدِينيةِ فِي ذِهْنِ الكَاتِب ،ولَكِنَهُ عَرَضهَا بالطَرِيقَةِ التي ودَّ بِهَا ذلك ،فأعتَقِدُ أن كَثِيراً ما يَسْألُ الكَاتِبُ عَن الجبلاوي المُتَمَثِل في صُورةِ الإلَهِ أو الدِينٍ فيَسْألُ العَدِيدُ مِن الأسْئلَةِ على لِسَانِ أهلِ الحَارةِ ;فَمِنْهَا:
- "أليس من المحزن أن يكون لنا جدّ مثل هذا الجد دون أن نراه أو يرانا؟ أليس من الغريب أن يختفي هو في هذا البيت الكبير المغلق وأن نعيش نحن في التراب؟ "
- “هذا بيت جدنا، جميعنا من صلبه، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع وكيف نضام ؟! "
- "المتأمل لحال حارتنا لا يصدق ماتقول الرباب في القهوات. مَنْ جبل؟! ومَنْ رفاعة؟! ومَنْ قاسم؟! وأين الآثار التي تدل عليهم خارج نطاق القهوات؟ أما العين فلا ترى إلا حارة غارقة في الظلمات وربابا تتغنى بالأحلام. وكيف آل بنا الأمر إلى هذه الحال؟ أين قاسم والحارة الواحدة والوقف المبذول لخير الجميع؟ "
- "أين جدنا؟! ،أبوك يحدث عن قاسم وقاسم حدث عن جدنا وهكذا نسمع ولكنا لا نرى إلا فتوات الحارة الظالمين . نحن في حاجة إلى قوة تخلصنا من العذاب فماذا تجدى الذكريات! "
وهُنَاكَ أيْضاً العَدِيد مِنْ هَذِه الأطرُوحَاتُ المُشَابِهَةُ فَلَرُبمَا كَانَ يَطرَحُ الكَاتِبَ هَذِه الأسْئلَةُ بِوَاجِهةُ أبْنَاءُ الحَارَةِ وعَلَى ألسِنَتِهُمْ حَتْى يُعِير مَصدَر إهْتِمَام لهَذِه المَسَائلُ ..!
٢_ أحد عُيوب الرواية ؛هي شَخصية رفاعة .. فقد حَاولَ الكاتب أنْ يَجعلهُ شَخصيةٌ حنونةٌ ومتسامحٌ ،ولكن أعتقدُ أنْ الكاتبَ قدْ تمَادَى في ذَلِكَ وقد بَالغَ كَثِيراً ،حتى جَعَلَهُ يَبْدو بدلاً مِنْ هذا شَخصية ضعيفة لا يُمْكِنُهَا الدِفَاع عًنْ نفْسِهَا ،فَيَهْزَأ بِهِ مَنْ يُرِيد ذَهَاباً وأيَاباً ،فَحتَى مُقَارَنةً بِبَاقِي الشَخْصِيات الرَئِيسِية (جبل وقاسم) يَتْضِح أن هذه الشَخْصِية هي الأضْعَفُ مِنْ بَينَهُم ،فَأصبحَ فِي نَظرِي شَخصِية سَاذجَة .
٣_ الجُزء الأخِير (الأسْوَأ) الذي وَاجَهَتْهُ الرِوَاية هي أهمْ جُزء ..،فقد كَانت وفَاةُ الجبلاوي غَير مُتَوقْعة ،فَمَاتَ بطَرِيقَةٍ هَزْلاء وسَخيفة بينما هو جَدهُمْ وصَاحِب الوَقْف ،الذي مِنْ بِدَايَةِ القِصةِ خُيْلَ لِي أنَهُ شَخصٌ قَويٌ ،لا يَهِزَهُ أو يَهْزِمَهُ شَيءٌ ذَاتَ نِفُوذ عَالِي ،و ربما كَانَ تَصَورِي عَن الشَخْصِية مُسْتَوحَى مِنْ الخَلْفِيَةِ الدِينيةِ ..،فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيرِ المُتَوَقْع أنْ يَمُتْ بِهَذهِ الطَرِيقة ؛التي كَانت عَنْ دون قصد مِنْ عرفة ..!
٤_ الرِوَايةُ رَائعَةٌ جِداً وتُشَغِّلُ العَقْلُ ،بَلْ وتَأخُذُ حَيْزاً مِنْهُ ؛فَحَتَى عِنْدَمَا أنْهَيتُ هذا العَملُ مَكَثْتُ أتَفكْرُ فِيمَا كَانَ يَحْدُثُ فِي القِصةِ ،بَلْ وكُلْمَا رَبَطَتُ الأحَدَاث والشَخْصِيات ؛لَتَفَهمْتُ مَاذَا كَانَ يَقْصُدُ الكَاتِبَ فٍي كَلِ نَقْطة وكُلِ حَدث ..
٥_ رُبما تَبدو الرِوَايَةُ فِي بِدَايَتِهَا مألوفة لَكَ وبِالفِعلِ هَذا مَا حَصَلَ لِي ؛فَأنا فِعلياً أعلْمُ القِصَةُ كَامِلَةٌ ،وَلَكِنْ أبْدَعَ الكَاتِب فِي أنْ يَجْذِبَنِي بِطَرِيقَتهُ وإسْلُوبهُ فِي الكِتَابَةِ الغَنَّاءْ ؛حَتْى جَعَلَنِي أقْرِأ الرِوَاية مُخْتَلِفَة بِإسْلُوبِ الكَاتِب كَامِلَةً مَرْةً أُخْرَى ،وبِالطَبْعِ حَاوَلْتُ أنْ أكُونَ مُحَايداً جِدْاً طِيلَة فَتْرَة قِراءتِي لِهَذِا العَمِلُ الفَنْيِ ؛لأنْهُ إذَا أسْقَطتَ الرَمْزَ على المَرْمُوزِ ،ولَمْ تَأخُذْ كُل شَخْصِيَة بِشَخْصِيَتِهَا المُرْوَاه ،وبِطَبِيعَتِهَا كمَا هي مَكْتُوبةٌ سَتُضَيْع مِنْكَ فُرْصَة هَذا العَمل الرِوَائي فَكُلِ مَعَانِي الرِوَايَة سَتُهْدَر فِي كَوْنِكَ أهْمَلْتِ الشَخْصِيَات المُحِيلُ بِهَا .
---------------
معلومات الكتاب:
اسم الرواية: ٲولاد حارتنا
المؤلف: نجيب محفوظ
دار النشر: دار الشروق
عدد الصفحات: 590
طبعة دار الشروق الأولى 2006
تقييم: ✰
View all my reviews
تعليقات
إرسال تعليق